فصل: (سورة القصص الآيات: 26- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

1- الإيجاز:
كثر الإيجاز في هذه الآيات فقد حذف المفعول به في أربعة أماكن أحدها مفعول يسقون أي مواشيهم والثاني مفعول تذودان أي مواشيهما والثالث لا نسقي أي مواشينا والرابع فسقى لهما أي مواشيهما وعلة الحذف أن الغرض هو أن يعلم انه كان من الناس سقي ومن البنتين ذود وأنهما قالتا لا نسقي أي لا يكون منا سقي حتى يصدر الرعاء وانه كان من موسى سقي فأما كون المسقي غنما أو إبلا أو غير ذلك فذلك أمر خارج عن نطاق الغرض.
2- الكناية:
في قوله: {وأبونا شيخ كبير} فقد أرادتا أن تقولا له: إننا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مزاحمة الرجال ومالنا رجل يقوم بذلك وأبونا شيخ طاعن في السن قد أضعفه الكبر وأعياه فلا مندوحة لنا عن ترك السقيا وأرجائها إلى أن يقضي الناس أوطارهم من الماء وبذلك طابق جوابهما سؤاله لأنه سألهما عن علة الذود فقالتا ما قالتاه وإنما ساغ لنبي اللّه شعيب أن يرضى لابنتيه بامتهان سقيا الماشية على ما فيها من تبذل واطراح حشمة لأن الضرورات تبيح المحظورات مع أن الأمر في حد ذاته ليس بمحظور فالدين لا يأباه والعادات متباينة ومذهب أهل البدو غير مذهب أهل الحضر خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة.
3- الإشارة:
وذلك في قوله: {على استحياء} فقد أشار بلمح خاطف يشبه لمح الطرف وبلغة هي لغة النظر إلى وصف جمالها الرائع الفتان باستحياء لأن الخفر من صفات الحسان ولأن التهادي في المشي من أبرز سماتهن، قال الأعشى:
كأن مشيتها من بيت جارتها ** مر السحابة لا ريث ولا عجل

وأبدع ابن الرومي ما شاء له الإبداع إذ قال:
جرت تدافع من وشي لها حسن ** تدافع الماء في وشي من الجب

وان رمق سماء امرئ القيس بقوله:
سموت إليها بعد ما نام أهلها ** سمو حباب الماء حالا على حال

وعمر بن أبي ربيعة في رائيته البديعة:
فلما فقدت الصوت منهم ** وأطفئت مصابيح شبت بالعشي وأنور

وغاب قمير كنت أرجو غيابه ** وروّح رعيان وهوّم سمر

وخفض عني الصوت أقبلت مشية ** الحباب وركني خيفة القوم ازور

.[سورة القصص الآيات: 26- 28]:

{قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (28)}.

.الإعراب:

{قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} قالت إحداهما فعل وفاعل وهي الكبرى التي تزوجها موسى فيما بعد، ويا أبت تقدم إعرابه كثيرا واستأجره فعل أمر وفاعل ومفعول به {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} الجملة لا محل لها لأنها تعليل للأمر قبلها وسيأتي معنى هذا الكلام الجامع المانع في باب البلاغة، وإن واسمها ومضاف إليه وجملة استأجرت لا محل لها لأنها صلة الموصول والقوي خبر أول والأمين خبر ثان.
{قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ} إن واسمها وجملة أريد خبرها والجملة مقول القول وأن أنكحك في تأويل مصدر مفعول أريد وفاعل أنكحك ضمير مستتر تقديره أنا والكاف مفعول به أول وإحدى ابنتي مفعول به ثان وابنتي مضاف لإحدى وهاتين صفة لابنتي والاشارة لتمييزها من بين بقية أخواتهما فقد كان له كما يروى سبع بنات.
{عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ} على حرف جر دخل على أن وما يليها والجار والمجرور متعلقان بمحذوف في موضع الحال إما من الفاعل أو من المفعول أي مشروطا عليّ أو عليك ذلك وتأجرني فعل مضارع من أجرته إذا كنت له أجيرا كقولك أبوته أي كنت له أبا ومفعول تأجرني الثاني محذوف أي نفسك وثماني حجج ظرف لتأجرني وحجج أعوام، وتكلف الزمخشري وجها ما أدري كيف استقام له وهو أن يكون ثماني مفعولا ثانيا لتأجرني، وقد احتاج إلى تقدير مضاف أي رعي ثماني حجج ولا داعي لهذا التكلف، هذا فضلا عن أن المعنى لا يستقيم معه لأن العمل هو الذي تقع به الإثابة لا الزمان فكيف يوجه الاجارة على الزمان؟
{فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} الفاء عاطفة وإن شرطية وأتممت فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وعشرا مفعول به والفاء رابطة للجواب لأنه جملة اسمية ومن عندك جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي فالتمام من عندك وليس في الأمر إلزام وتحتيم.
{وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} الواو عاطفة وما نافية وأريد فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره أنا وأن وما في حيزها مفعول أريد وعليك متعلقان بأشق، ستجدني فعل مضارع مرفوع والفاعل مستتر تقديره أنت والنون للوقاية والياء مفعول به وجملة إن شاء اللّه اعتراضية لا محل لها وجواب ان محذوف ومن الصالحين متعلقان بتجدني ومعنى أشق عليك أجعل الأمر صعبا، قال الزمخشري: فإن قلت: ما حقيقة شققت عليه وشق عليه الأمر؟
قلت: حقيقته ان الأمر إذا تعاظمك فكأنه شق عليك ظنك باثنين تقول تارة أطيقه وتارة لا أطيقه وسيأتي مزيد من ذلك في باب البلاغة.
{قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ} ذلك مبتدأ وبيني وبينك خبره أي ذلك الذي عاهدتني وشارطتني عليه قائم وثابت بيننا لا نحيد عنه كلانا، وأيما الأجلين:
أي اسم شرط جازم في محل نصب مفعول مقدم لقضيت وما زائدة للإبهام وسيأتي بحث مستفيض عن أي في باب الفوائد وقيل إن {ما} نكرة بمعنى شيء والأجلين بدل منها وقضيت فعل وفاعل والفاء رابطة للجواب ولا نافية للجنس وعدوان اسمها المبني على الفتح وعلي خبر لا واللّه مبتدأ وعلى ما نقول متعلقان بوكيل ووكيل خبر اللّه.

.البلاغة:

1- الكلام الجامع المانع:
في قوله تعالى: {إن خير من استأجرت القوي الأمين} في هذه الآية فنون عديدة ولذلك أطلق عليها علماء البلاغة أنها من الكلام الجامع المانع الحكيم الذي لا يزاد عليه لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان في القائم بأمرك والمتعهد لشئونك وهما الكفاية والأمانة فقد فرغ بالك وتم أمرك وسهل مرادك، ولأنه ذهب مذهب المثل المضروب ليذهب في مرّ العصور وقادمات الدهور، وفيه التعميم الذي هو أجمل وأليق في مدح النساء للرجال من المدح الخاص وأبقى للتحشم والتصوّن وخصوصا بعد أن فهمت غرض أبيها وهو تزويجها منه وقد كان عمر بن الخطاب يعجب بهذا التعبير ويرمق سماءه في دعائه فيقول: أشكو إلى اللّه ضعف الأمين وخيانة القوي.
وهذا الإيهام من ابنة شعيب قد سلكته زليخا مع يوسف ولكن شتان ما بين الحياء المجبول والحياء المستعمل، ليس التكحل في العينين كالكحل حيث قالت: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم} وهي تعني ما جزاء يوسف مما أرادني من السوء إلا أن تسجنه أو تعذبه عذابا أليما، ولكنها أو همت زوجها الحياء والخفر وأن تنطق بالعصمة منسوبا إليها الخنا إيذانا منها بأن هذا الحياء منها الذي يمنعها أن تنطق بهذا الأمر من مراودة يوسف بطريق الأحرى والأولى، ففي هذه الآية كما رأيت الإيجاز والمثل والتعميم والإيهام وفيها أيضا التقديم فقد قدم ما هو أولى بالتقديم وجعل اسما ل {إن} وهو خير وورد بلفظ الفعل الماضي للدلالة على أن الأمر ليس بدعا وانه معروف مبتوت فيه قد جرب وتعورف. ومن التقديم البديع قول أبي الشغب العبسي يتحزّن على خالد بن عبد اللّه القسري حين أسره يوسف بن عمرو.
ألا إن خير الناس حيا وهالكا ** أسير ثقيف عندهم في السلاسل

لعمري لئن عمرتم السجن ** خالدا وأوطأتموه وطأة المتثاقل

لقد كان نهّاضا بكل ملمة ** ومعطي اللهى غمرا كثير النوافل

وخير الناس اسم تفضيل مضاف إلى المعرف بأل وهو اسم إن وحيا وهالكا حالان منه وأسير ثقيف خبر إن، وثقيف علم القبيلة والعلم أعرف من المحلى بأل فخبر إن المضاف اليه أعرف من اسمها المضاف المحلّى بأل وقد قدم الاسم للاهتمام به، وعندهم في السلاسل حال أو خبر بعد خبر، ولعمري قسم إن عمرتم أي أدخلتم وأسكنتم خالدا السجن وأوطأتموه أي صيرتموه يطأ الأرض برجله كوطأة المتثاقل أي الحامل لشيء ثقيل لجعل القيد في رجليه فهو كناية عن ذلك، لقد كان نهاضا جواب القسم وجواب الشرط محذوف أي كان سريع القيام بكل نازلة ثقيلة وكان معطى اللهى بالفتح جمع لهاة كحصى وحصاة أي اللحمة في أقصى الفم لكنها هنا بمعنى الفم نفسه ويجوز أن يكون اللهى بضم اللام جمع لهوة كغرف وغرفة بمعنى العطية من أي نوع كانت.
2- الإيجاز:
وفي قوله: {وما أريد أن أشق عليك} إيجاز بليغ فقد ذكرنا معنى شق عليه الأمر وانه مترجح بين اليأس والرجاء، وفيه إيماء إلى أولئك المعاسرين الذين يكلفون عمالهم أعمالا تربو على طوقهم وتتجاوز حدود قدرتهم المعهودة، وعلى هذا درجت الشرائع في حسن المعاملة والأخذ بالأسهل والأيسر ومنه الحديث كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شريكي فكان لا يداري ولا يشاري ولا يماري.